فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

سورة الفجر:
مكية.
وآيها ثلاثون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{والفجر} أقسم بالصبح أو فلقه كقوله: {والصبح إِذَا تَنَفَّسَ} أو بصلاته.
{وَلَيالٍ عشر} عشر ذي الحجة ولذلك فسر {الفجر} بفجر عرفة، أو النحر أو عشر رمضان الأخير وتنكيرها للتعظيم، وقرئ: {وَلَيالٍ عشر} بالإِضافة على أن المراد بالعشر الأيام.
{والشفع والوتر} والأشياء كلها شفعها ووترها، أو الخلق لقوله: {وَمِن كُلّ شيء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} والخالق لأنه فرد، ومن فسرهما بالعناصر والأفلاك أو البروج والسيارات أو شفع الصلوات ووترها، أو بيومي النحر وعرفة، وقد روي مرفوعاً، أو بغيرها فلعله أفرد بالذكر من أنواع المدلول ما رآه أظهر دلالة على التوحيد، أو مدخلاً في الدين أو مناسبة لما قبلهما أو أكثر منفعة موجبة للشكر، وقرئ {والوتر} بكسر الواو وهما لغتان كالحبر والحبر.
{واليل إِذَا يسر} إذا يمضي كقوله: {واليل إِذْ أَدْبَرَ} والتقييد بذلك لما في التعاقب من قوة الدلالة على كمال القدرة ووفور النعمة، أو يرى فيه من قولهم صلى المقام وحذف الياء للاكتفاء بالكسرة تخفيفاً، وقد خصه نافع وأبو عمرو بالوقف لمراعاة الفواصل ولم يحذفها ابن كثير ويعقوب أصلاً، وقرئ {يسر} بالتنوين المبدل من حرف الاطلاق.
{هَلْ في ذَلِكَ} القسم أو المقسم به {قَسَمٌ} حلف أو محلوف به.
{لّذِى حجر} يعتبره ويؤكد به ما يريد تحقيقه، وال {حجر} العقل سمي به لأنه يحجر عما لا ينبغي كما سمي عقلاً ونهية وحصاة من الإِحصاء، وهو الضبط والمقسم عليه محذوف وهو ليعذبن يدل عليه قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بعاد} يعني أولاد عاد بن عوصن بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام، قوم هود سموا باسم أبيهم كما سمي بنو هاشم باسمه.
{إِرَمَ} عطف بيان لـ: {عَادٍ} على تقدير مضاف أي سَبْطُ {إِرَمَ}، أو أَهْلُ {إِرَمَ} إن صح أنه اسم بلدتهم. وقيل سمي أوائلهم وهم (عَاداً الأولى) باسم جدهم ومنع صرفه للعلمية والتأنيث.
{ذَاتِ العماد} ذات البناء الرفيع أو القدود الطوال، أو الرفعة والثبات. وقيل كان لعاد ابنان شداد وشديد فملكا وقهرا، ثم مات شديد فخلص الأمر لشداد وملك المعمورة ودانت له ملوكها، فسمع بذكر الجنة فبنى على مثالها في بعض صحاري عدن جنة وسماها إرم، فلما تمت سار إليها بأهله، فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا.
وعن عبد الله ابن قلابة أنه خرج في طلب إبله فوقع عليها.
{التى لَمْ يُخلق مِثْلُهَا في البلاد} صفة أخرى لـ: {إِرَمَ} والضمير لها سواء جعلت {إِرَمَ} القبيلة أو البلدة.
{وثمود الذين جَابُواْ الصخر} قطعوه واتخذوه منازل لقوله: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بُيُوتاً} {بالواد} وادي القرى.
{وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوتاد} لكثرة جنوده ومضاربهم التي كانوا يضربونها إذا نزلوا، أو لتعذيبه بالأوتاد.
{الذين طَغَوْاْ في البلاد} صفة للمذكورين (عاد) {وثمود} {وَفِرْعَوْنَ}، أو ذم منصوب أو مرفوع.
{فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الفساد} بالكفر والظلم.
{فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عذاب} ما خلط لهم من أنواع العذاب، وأصله الخلط وإنما سمي به الجلد المضفور الذي يضرب به لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض، وقيل شبه بال {سَوْطَ} ما أحل بهم في الدنيا إشعاراً بأنه القياس إلى ما أعد لهم في الآخرة من العذاب كالسوط إذا قيس إلى السيف.
{إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} إلى المكان الذي يترقب فيه الرصد، مفعال من رصده كالميقات من وقته، وهو تمثيل لإرصاده العصاة بالعقاب.
{فَأَمَّا الإنسان} متصل بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ لبالمرصاد} كأنه قيل إنه {لبالمرصاد} من الآخرة فلا يريد إلا السعي لها فأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا ولذاتها.
{إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ} اختبره بالغنى واليسر.
{فَأَكْرَمَهُ ونعمه} بالجاه والمال.
{فَيَقول رَبّى أَكْرَمَنِ} فضلني بما أعطاني، وهو خبر المبتدأ الذي هو {الإنسان}، والفاء لما في (أما) من معنى الشرط، والظرف المتوسط في تقدير التأخير كأنه قيل: فأما الإنسان فقائل ربي أكرمني وقت ابتلائه بالإِنعام، وكذا قوله: {وَأَمَّا إِذَا مَا ابتلاه فَقدر عَلَيْهِ رِزْقَهُ} إذ التقدير وأما الإنسان إذا ما ابتلاه أي بالفقر والتقتير ليوازن قسيمه.
{فَيَقول رَبّى أَهَانَنِ} لقصور نظره وسوء فقره، فإن التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين، والتوسعة قد تفضي إلى قصد الأعداء والانهماك في حب الدنيا ولذلك ذمه على قوليه سبحانه وتعالى وردعه عنه بقوله: {كَلاَّ} مع أن قوله الأول مطابق لأكرمه ولم يقل فأهانه وقدر عليه كما قال: {فَأَكْرَمَهُ ونعمه} لأن التوسعة تفضل والإخلال به لا يكون إهانة.
وقرأ ابن عامر والكوفيون {أكرمن} و{أهانن} بغير ياء في الوصل والوقف.
وعن أبي عمرو مثله ووافقهم نافع في الوقف وقرأ ابن عامر {فَقدر} بالتشديد.
{بَل لاَّ تُكْرِمُونَ اليتيم وَلاَ تَحَاضُّونَ على طَعَامِ المسكين} أي بل فعلهم أسوأ من قولهم وأدل على تهالكهم بالمال وهو أنهم لا يكرمون اليتيم بالنفقة والمبرة، ولا يحثون أهلهم على طعام المسكين فضلاً عن غيرهم.
وقرأ الكوفيون {ولا تحاضون}.
{وَتَأْكُلُونَ التراث} الميراث وأصله وراث.
{أَكلا لَّمّاً} ذا لم أي جمع بين الحلال والحرام فإنهم كانوا لا يورثون النساء والصبيان ويأكلون أنصباءهم، أو يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين بذلك.
{وَتُحِبُّونَ المال حبًّا جَمّاً} كثيراً مع حرص وشره.
وقرأ أبو عمرو وسهل ويعقوب {لا يكرمون} إلى {ويحبون} بالياء والباقون بالتاء.
{كَلاَّ} ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم وما بعده وعيد عليه.
{إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً} أي دكا بعد دك حتى صارت منخفضة الجبال والتلال، أو {هَبَاء مُّنبَثّاً} {وَجَاء رَبُّكَ} أي ظهرت آيات قدرته وآثار قهره مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان من آثار هيبته وسياسته.
{والملك صَفّاً صَفّاً} بحسب منازلهم ومراتبهم.
{وَجِيء يومئِذٍ بِجَهَنَّمَ} كقوله تعالى: {وَبرزت الجحيم} وفي الحديث: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها» {يومئِذٍ} بدل من {إذا دكت الأرض} والعامل فيهما.
{يَتَذَكَّرُ الإنسان} أي يتذكر معاصيه أو يتعظ لأنه يعلم قبحها فيندم عليها.
{وأنى لَهُ الذكرى} أي منفعة الذكرى لئلا يناقض ما قبله، واستدل به على عدم وجوب قبول التوبة، فإن هذا التذكر توبة غير مقبولة.
{يَقول ياليتنى قَدَّمْتُ لِحَيَأتى} أي لحياتي هذه، أو وقت حياتي في الدنيا أعمالاً صالحة، وليس في هذا التمني دلالة على استقلال العبد بفعله فإن المحجور عن شيء قد يتمنى أن كان ممكناً منه.
{فَيومئِذٍ لاَّ يُعَذّبُ عذابهُ أحد وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أحد} الهاء لله أي لا يتولى عذاب الله ووثاقه يوم القيامة سواه إذ الأمر كله له، أو للإنسان أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه.
وقرأهما الكسائي ويعقوب على بناء المفعول.
{ياأيتها النفس المطمئنة} على إرادة القول وهي التي اطمأنت بذكر الله، فإن النفس تترقى في سلسلة الأسباب والمسببات إلى الواجب لذاته فتستفز دون معرفته وتستغني به عن غيره، أو إلى الحق بحيث لا يريبها شك أو الآمنة التي لا يستفزها خوف ولا حزن، وقد قرئ بهما.
{ارجعى إلى رَبّكِ} إلى أمره أو موعده بالموت، ويشعر ذلك بقول من قال: كانت النفوس قبل الأبدان موجودة في عالم القدس أو البعث، {راضية} بما أوتيت.
{مرضية} عند الله تعالى.
{فادخلى في عِبَادِى} في جملة عبادي الصالحين.
{وادخلى جَنَّتِى} معهم أو في زمرة المقربين فتستضيء بنورهم، فإن الجواهر القدسية كالمرايا المتقابلة، أو ادخلي في أجساد عبادي التي فارقت عنها، وادخلي دار ثوابي التي أعدت لك.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الفجر في الليالي العشر غفر له، ومن قرأها في سائر الأيام كانت له نوراً يوم القيامة». اهـ.

.قال أبو حيان:

سورة الفجر:
{والفجر (1) وَلَيَالٍ عشر (2)}
قرأ أبو الدينار الأعرابي: {والفجر}، {والوتر}، و{يسر} بالتنوين في الثلاثة.
قال ابن خالويه: هذا كما روي عن بعض العرب أنه وقف على آخر القوافي بالتنوين، وإن كان فعلاً، وإن كان فيه ألف ولام.
قال الشاعر:
أقلّي اللوم عاذل والعتابا ** وقولي إن أصبت لقد أصابا

انتهى.
وهذا ذكره النحويون في القوافي المطلقة إذا لم يترنم الشاعر، وهو أحد الوجهين اللذين للعرب إذا وقفوا على الكلم في الكلام لا في الشعر، وهذا الأعرابي أجرى الفواصل مجرى القوافي.
وقرأ الجمهور: {وليال عشر} بالتنوين؛ وابن عباس: بالإضافة، فضبطه بعضهم.
{وليال عشر} بلام دون ياء، وبعضهم وليالي عشر بالياء، ويريد: وليالي أيام عشر.
ولما حذف الموصوف المعدود، وهو مذكر، جاء في عدده حذف التاء من عشر.
والجمهور: {والوتر} بفتح الواو وسكون التاء، وهي لغة قريش.
والأغر عن ابن عباس، وأبو رجاء وابن وثاب وقتادة وطلحة والأعمش والحسن: بخلاف عنه؛ والأخوان: بكسر الواو، وهي لغة تميم، واللغتان في الفرد، فأما في الرحل فالكسر لا غير.
وحكى الأصمعي: فيه اللغتين؛ ويونس عن أبي عمرو: بفتح الواو وكسر التاء.
والجمهور: {يسر} بحذف الياء وصلاً ووقفاً؛ وابن كثير: بإثباتها فيهما؛ ونافع وابن عمرو: بخلاف عنه بياء في الوصل وبحذفها في الوقف؛ والظاهر وقول الجمهور، منهم على وابن عباس وابن الزبير: أن الفجر هو المشهور، أقسم به كما أقسم بالصبح، ويراد به الجنس، لا فجر يوم مخصوص.
وقال ابن عباس ومجاهد؛ من يوم النحر؛ وعكرمة: من يوم الجمعة؛ والضحاك: من ذي الحجة؛ ومقاتل: من ليلة جمع؛ وابن عباس وقتادة: من أول يوم من المحرم.
وعن ابن عباس أيضًا: الفجر: النهار كله؛ وعنه أيضًا وعن زيد بن أسلم: الفجر هو صلاة الصبح.
وقرآنها هو قرآن الفجر.
وقيل: فجر العيون من الصخور وغيرها.
وقال ابن الزبير والكلبي وقتادة ومجاهد والضحاك والسدي وعطية العوفي: هي عشر ذي الحجة؛ وابن عباس والضحاك: العشر الأواخر من رمضان.
وقال ابن جريج: الأول منه؛ ويمان وجماعة: الأول من المحرم ومنه يوم عاشوراء؛ ومسروق ومجاهد: وعشر موسى عليه السلام التي أتمها الله تعالى.
قيل: والأظهر قول ابن عباس للحديث المتفق على صحته.
قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله».
قال التبريزي: اتفقوا على أنه العشر الأواخر، يعني من رمضان، لم يخالف فيه أحد، فتعظيمه مناسب لتعظيم القسم.
وقال الزمخشري: وأراد بالليالي العشر عشر ذي الحجة.
فإن قلت: فما بالها منكرة من بين ما أقسم به؟
قلت: لأنها ليال مخصوصة من بين جنس الليالي العشر، بعض منها أو مخصوصة بفضيلة ليست لغيرها.
فإن قلت: فهل لا عرفت بلام العهد لأنها ليال معلومة معهودة؟
قلت: لو فعل ذلك لم تستقل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير، ولأن الأحسن أن تكون اللامات متجانسة ليكون الكلام أبعد من الألغاز والتعمية، انتهى.
أما السؤالان فظاهران، وأما الجواب عنهما فلفظ ملفق لا يعقل منه معنى فيقبل أو يرد.
{والشفع والوتر}: ذكر في كتاب التحرير والتحبير فيها ستة وثلاثين قولاً ضجرنا من قراءتها فضلاً عن كتابتها في كتابنا هذا، وعن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هي الصلوات، منها الشفع ومنها الوتر» وروى أبو أيوب عنه صلى الله عليه وسلم: «الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى، والوتر: ليلة النحر» وروى جابر عنه صلى الله عليه وسلم: «الشفع يوم النحر، والوتر يوم عرفة» وفي هذا الحديث تفسيره عليه الصلاة والسلام الفجر بالصبح والليالي العشر بعشر النحر، وهو قول ابن عباس وعكرمة، واختاره النحاس.
وقال حديث أبي الزبير عن جابر: هو الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أصح إسناداً من حديث عمران بن حصين: «صوم عرفة وتر لأنه تاسعها، ويوم النحر شفع لأنه عاشرها» وذكر ابن عطية في {الشفع والوتر} أربعة عشر قولاً، والزمخشري ثلاثة أقوال، ثم قال: وقد أكثروا في الشفع والوتر حتى كادوا يستوعبون أجناس ما يقعان فيه، وذلك قليل الطائل جدير بالتلهي عنه، انتهى.
{والليل إذا يسر}: قسم بجنس الليل، و{يسري}: يذهب وينقرض، كقوله: {والليل إذا أدبر} وقال الأخفش وابن قتيبة: يسري فيه، فيكون من باب ليلك نائم.
وقال مجاهد وعكرمة والكلبي: المراد ليلة جمع لأنه يسري فيها، وجواب القسم محذوف.
قال الزمخشري: وهو لنعذبن، يدل عليه قوله: {ألم تر} إلى قوله: {فصب عليهم ربك سوط عذاب}.
وقال ابن الأنباري: الجواب: {إن ربك لبالمرصاد}.
والذي يظهر أن الجواب محذوف يدل عليه ما قبله من آخر سورة الغاشية، وهو قوله: {إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم} وتقديره: لإيابهم إلينا وحسابهم علينا.
وقول مقاتل: هل هنا في موضع تقديره: إن في ذلك قسماً لذي حجر.
فهل على هذا في موضع جواب القسم، قول لم يصدر عن تأمل، لأن المقسم عليه على تقدير أن يكون التركيب إن في ذلك قسماً لذي حجر لم يذكر، فيبقى قسم بلا مقسم عليه، لأن الذي قدره من إن في ذلك قسماً لذي حجر لا يصح أن يكون مقسماً عليه، وهل في ذلك تقرير على عظم هذه الأقسام، أي هل فيها مقنع في القسم لذي عقل فيزدجر ويفكر في آيات الله.
ثم وقف المخاطب على مصارع الأمم الكافرة الماضية مقصوداً بذلك توعد قريش، ونصب المثل لها.
وعاد هو عاد بن عوص، وأطلق ذلك على عقبه، ثم قيل للأولين منهم عاداً الأولى وإرم، نسبة لهم باسم جدهم ولمن بعدهم عاد الأخيرة.
وقال مجاهد وقتادة: هي قبيلة بعينها.
وقال ابن إسحاق: إرم هو أبو عاد كلها.
وقال الجمهور: إرم مدينة لهم عظيمة كانت على وجه الدهر باليمن.
وقال محمد بن كعب: هي الإسكندرية.
وقال ابن المسيب والمقبري: هي دمشق.
وقال مجاهد أيضًا: إرم معناه القديمة.
وقرأ الجمهور: {بعاد} مصر، وفا {إرم} بكسر الهمزة وفتح الراء والميم ممنوع الصرف للتأنيث والعلمية لأنه اسم للقبيلة، وعاد، وإن كان اسم القبيلة، فقد يلحظ فيه معنى الحي فيصرف أو لا يلحظ، فجاء على لغة من صرف هنداً، و{إرم} عطف بيان أو بدل.
وقرأ الحسن: {بعاد} غير ممنوع الصرف مضافاً إلى {إرم}، فجاز أن يكون {إرم} وجدًّا ومدينة؛ والضحاك: {إرم} بفتح الراء وما بعدها ممنوعي الصرف.
وقرأ ابن الزبير: {بعاد} بالإضافة، {إرم} بفتح الهمزة وكسر الراء، وهي لغة في المدينة، والضحاك: {بعاد} مصروفاً، و{بعاد} غير مصروف أيضًا، أرم بفتح الهمزة وسكون الراء تخفيف {أرم} بكسر الراء؛ وعن ابن عباس والضحاك: {أرم} فعلاً ماضياً، أي بلي، يقال: رم العظم و{أرم} هو: أي بلي، وأرمه غيره معدى بالهمزة من رم الثلاثي.
وذات على هذه القراءة مكسورة التاء؛ وابن عباس أيضًا: فعلاً ماضياً، {ذات} بنصب التاء على المفعول به، وذات بالكسر صفة لإرم؛ وسواء كانت اسم قبيلة أو مدينة، وإن كان يترجح كونها مدينة بقوله: {لم يخلق مثلها في البلاد}، فإذا كانت قبيلة صح إضافة عاد إليها وفكها منها بدلاً أو عطف بيان، وإن كانت مدينة فالإضافة إليها ظاهرة والفك فيها يكون على حذف مضاف، أي بعاد أهل إرم ذات العماد.
وقرئ: {إرم ذات}، بإضافة {إرم} إلى {ذات}، والإرم: العلم، يعني {بعاد}: أعلام ذات العماد.
ومن قرأ: {أرم} فعلاً ماضياً، {ذات} بالنصب، أي جعل الله ذات العماد رميماً، ويكون {إرم} بدلاً من {فعل ربك} وتبييناً لفعل، وإذا كانت {ذات العماد} صفة للقبيلة.
فقال ابن عباس: هي كناية عن طول أبدانهم، ومنه قيل: رفيع العماد، شبهت قدودهم بالأعمدة، ومنه قولهم: رجل عمد وعمدان أي طويل.
وقال عكرمة ومقاتل: أعمدة بيوتهم التي كانوا يرحلون بها لأنهم كانوا أهل عمود.
وقال ابن زيد: أعمدة بنيانهم، وإذا كانت صفة للمدينة، فأعمدة الحجارة التي بنيت بها.
وقيل: القصور العالية والأبراج يقال لها عماد.
وحكي عن مجاهد: أرم مصدر، أرم يأرم إذا هلك، والمعنى: كهلاك ذات العماد، وهذا قول غريب، كأن معنى {كيف فعل ربك بعاد}: كيف أهلك عاداً كهلاك ذات العماد.
وذكر المفسرون أن ذات العماد مدينة ابتناها شداد بن عاد لما سمع بذكر الجنة على أوصاف بعيد، أو مستحيل عادة أن يبنى في الأرض مثلها، وأن الله تعالى بعث عليها وعلى أهله صيحة قبل أن يدخلها هلكوا جميعاً، ويوقف على قصتهم في كتاب التحرير وشيء منها في الكشاف.
وقرأ الجمهور: {لم يخلق} مبنياً للمفعول، {مثلها} رفع؛ وابن الزبير: مبنياً للفاعل، مثلها نصباً، وعنه: نخلق بالنون والضمير في مثلها عائد على المدينة التي هي ذات العماد في البلاد، أي في بلاد الدنيا، أو عائد على القبيلة، أي في عظم أجسام وقوة.
وقرأ ابن وثاب {وثمود} بالتنوين.
والجمهور: بمنع الصرف.
{جابوا الصخر}: خرقوه ونحتوه، فاتخذوا في الحجارة منها بيوتاً، كما قال تعالى: {وتنحتون من الجبال بيوتاً} قيل: أول من نحت الجبال والصخور والرخام ثمود، وبنوا ألفاً وسبعمائة مدينة كلها بالحجارة بالوادي، وادي القرى.
وقيل: {جابوا} واديهم وجلبوا ماءهم في صخر شقوه فعل ذي القوة والآمال.
{ذي الأوتاد}: تقدم الكلام على ذلك في سورة ص.
{الذين} صفة لعاد وثمود وفرعون، أو منصوب على الذم، أو مرفوع على إضمارهم.
{فصب عليهم ربك سوط عذاب}: أبهم هنا وأوضح في الحاقة وفي غيرها، ويقال: صب عليه السوط وغشاه وقنعه، واستعمل الصب لاقتضائه السرعة في النزول على المضروب، قال:
فصب عليهم محصرات كأنها ** شآبيب ليست من سحاب ولا قطر

يريد: المحدودين في قصة الإفك.
وقال بعض المتأخرين في صفة الحبل:
صببنا عليهم ظالمين شياطناً ** فطارت بها أيدي سراع وأرجل

وخص السوط فاستعير للعذاب، لأنه يقتضي من التكرار والترداد ما لا يقتضيه السيف ولا غيره.
وقال الزمخشري: وذكر السوط إشارة إلى أن ما أحله بهم في الدنيا من العذاب العظيم بالقياس إلى ما أعد لهم في الآخرة، كالسوط إذا قيس إلى سائر ما يعذب به.
والمرصاد والمرصد: المكان الذي يترتب فيه الرصد، مفعال من رصده، وهذا مثل لإرصاده العصاة بالعقاب وأنهم لا يفوتونه.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون المرصاد في الآية اسم فاعل، كأنه قال: لبالراصد، فعبر ببناء المبالغة، انتهى.
ولو كان كما زعم، لم تدخل الباء لأنها ليست في مكان دخولها، لا زائدة ولا غير زائدة.
{فأما الإنسان}: ذكر تعالى ما كانت قريش تقوله وتستدل به على إكرام الله تعالى وإهانته لعبده، فيرون المكرم من عنده الثروة والأولاد، والمهان ضده.
ولما كان هذا غالباً عليهم وبخوا بذلك.
والإنسان اسم جنس، ويوجد هذا في كثير من أهل الإسلام.
وقال الزمخشري: فإن قلت: بم اتصل قوله: {فأما الإنسان}؟
قلت: بقوله: {إن ربك لبالمرصاد}، كأنه قال: إن الله تعالى لا يريد من الإنسان إلا الطاعة والسعي للعاقبة، وهو مرصد للعاصي؛ فأما الإنسان فلا يريد ذلك ولا يهمه إلا العاجلة وما يلذه وينعمه فيها، انتهى.
وفيه التصريح بمذهب الاعتزال في قوله: لا يريد من الإنسان إلا الطاعة.
وإذا العامل فيه فيقول: والنية فيه التأخير، أي فيقول كذا وقت الابتداء، وهذه الفاء لا تمنع أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، وإن كانت فاء دخلت في خبر المبتدأ لأجل أما التي فيها معنى الشرط، وبعد أما الثانية مضمر به وقع التوازن بين الجملتين تقديره: فأما إذا هو ما ابتلاه، وفيقول خبر عن ذلك المبتدأ المضمر، وابتلاه معناه: اختبره، أيشكر أم يكفر إذا بسط له؟ وأيصبر أم يجزع إذا ضيق عليه؟ لقوله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} وقابل ونعمه بقوله: {فقدر عليه رزقه}، ولم يقابل {فأكرمه} بلفظ فأهانه، لأنه ليس من يضيق عليه الرزق، كان ذلك إهانة له.
ألا ترى إلى ناس كثير من أهل الصلاح مضيقاً عليهم الرزق كحال الإمام أبي سليمان داود بن علي الأصبهاني رضي الله تعالى عنه وغيره، وذم الله تعالى العبد في حالتيه هاتين.
أما في قوله: {فيقول ربي أكرمن}، فلأنه إخبار منه على أنه يستحق الكرامة ويستوجبها.
وأما قوله: {أهانن}، فلأنه سمى ترك التفضيل من الله تعالى إهانة وليس بإهانة، أو يكون إذا تفضل عليه أقر بإحسان الله إليه، وإذا لم يتفضل عليه سمى ترك تفضل الله إهانة، لا إلى الاعتراف بقوله: {أكرمن}.
وقرأ ابن كثير: {أكرمني} و{أهانني} بالياء فيهما؛ ونافع: بالياء وصلاً وحذفها وقفاً، وخير في الوجهين أبو عمرو، وحذفها باقي السبعة فيهما وصلاً ووقفاً، ومن حذفها وقفاً سكن النون فيه.
وقرأ الجمهور: {فقدر} بخف الدال؛ وأبو جعفر وعيسى وخالد والحسن بخلاف عنه؛ وابن عامر: بشدها.
قال الجمهور: هما بمعنى واحد بمعنى ضيق، والتضعيف فيه للمبالغة لا للتعدي، ولا يقتضي ذلك قول الإنسان {أهانن}، لأن إعطاء ما يكفيه لا إهانة فيه.
{كلا}: رد على قولهم ومعتقدهم، أي ليس إكرام الله وتقدير الرزق سببه ما ذكرتم، بل إكرامه العبد: تيسيره لتقواه، وإهانته: تيسيره للمعصية؛ ثم أخبرهم بما هم عليه من أعمالهم السيئة.
وقال الزمخشري: {كلا} ردع للإنسان عن قوله، ثم قال: بل هنا شر من هذا القول، وهو أن الله تعالى يكرمهم بكثرة المال، فلا يؤدون فيها ما يلزمهم من إكرام اليتيم بالتفقد والمبرة وحض أهله على طعام المسكين ويأكلونه أكل الأنعام ويحبونه فيشحون به، انتهى.
وفي الحديث: «أحب البيوت إلى الله تعالى بيت فيه يتيم مكرم».
وقرأ الحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري وأبو عمر: {يكرمون} و{لا يحضون}، و{يأكلون} و{يحبون} بياء الغيبة فيها؛ وباقي السبعة، بتاء الخطاب، وأبو جعفر وشيبة والكوفيون وابن مقسم: تحاضون بفتح التاء والألف أصله تتحاضون، وهي قراءة الأعمش، أي يحض بعضكم بعضاً؛ وعبد الله أو علقمة وزيد بن علي وعبد الله بن المبارك والشيرزي عن الكسائي: كذلك إلا أنهم ضموا التاء، أي تحاضون أنفسكم، أي بعضكم بعضاً، وتفاعل وفاعل يأتي بمعنى فعل أيضًا.
{على طعام}، يجوز أن يكون بمعنى إطعام، كالعطاء بمعنى الإعطاء، والأولى أن يكون على حذف مضاف، أي على بذل طعام.
{وتأكلون التراث}، كانوا لا يورثون النساء ولا صغار الأولاد، فيأكلون نصيبهم ويقولون: لا يأخذ الميراث إلا من يقاتل ويحمي الحوزة، والتراث تاؤه بدل من واو، كالتكلة والتخمة من توكلت ووخمت.
وقيل: كانوا يأكلون ما جمعه الميت من الظلمة وهم عالمون بذلك يجمعون بين الحلال والحرام ويسرفون في إنفاق ما ورثوه لأنهم ما تعبوا في تحصيله، كما شاهدنا الوراث البطالين.
{كلا}: ردع لهم عن ذلك وإنكار لفعلهم.
ثم أتى بالوعيد وذكر تحسرهم على ما فرطوا فيه في دار الدنيا.
{دكاً دكاً}: حال كقولهم: باباً باباً، أي مكرراً عليهم الدّك.
{وجاء ربك}، قال القاضي منذر بن سعيد: معناه ظهوره للخلق هنالك، وليس بمجيء نقلة، وكذلك مجيء الطامّة والصاخة.
وقيل: وجاء قدرته وسلطانه.
وقال الزمخشري: هو تمثيل لظهور آيات اقتداره وتبيين آثار قدرته وسلطانه، مثلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة والسياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلها ووزرائه وخواصه، انتهى.
والملك اسم جنس يشمل الملائكة.
وروي أنه ملائكة كل سماء تكون صفاً حول الأرض في يوم القيامة.
قال الزمخشري: {صفاً صفاً} تنزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف محدقين بالجن والإنس، انتهى.
{وجيء يومئذ بجهنم}، كقوله تعالى: {وبرزت الجحيم لمن يرى} {يومئذ} بدل من {إذا}.
قال الزمخشري: وعامل النصب فيهما يتذكر، انتهى.
ظاهر كلامه أن العامل في البدل هو العامل نفسه في المبدل منه، وهو قول قد نسب إلى سيبويه، والمشهور خلافه، وهو أن البدل على نية تكرار العامل، أي يتذكر ما فرط فيه.
{وأنى له الذكرى}: أي منفعة الذكرى، لأنه وقت لا ينفع فيه التذكر، لو اتعظ في الدنيا لنفعه ذلك في الأخرى، قاله الجمهور.
قال الزمخشري وغيره: أو وقت حياتي في الدنيا، كما تقول: جئت لطلوع الشمس ولتاريخ كذا وكذا.
وقال قوم: {لحياتي} في قبري، يعني الذي كنت أكذب به.
قال الزمخشري: وهذا أبين دليل على أن الاختيار كان في أيديهم ومعلقاً بقصدهم وإرادتهم، وأنهم لم يكونوا محجورين عن الطاعات مجبرين على المعاصي، كمذهب أهل الأهواء والبدع، وإلا فما معنى التحسر؟ انتهى، وهو على طريقة الاعتزال.
وقرأ الجمهور: {لا يعذب... ولا يوثق}: مبنيين للفاعل، والضمير في {عذابه}، و{وثاقه} عائد على الله تعالى، أي لا يكل عذابه ولا وثاقه إلى أحد، لأن الأمر لله وحده في ذلك؛ أو هو من الشدّة في حيز لم يعذب قط أحد في الدنيا مثله، والأول أوضح لقوله: {لا يعذب... ولا يوثق}، ولا يطلق على الماضي إلا بمجاز بعيد، بل موضوع، لا إذا دخلت على المضارع أن يكون مستقبلاً.
ويجوز أن يكون الضمير قبلها عائداً على الكافر، أي لا يعذب أحد من الزبانية مثل ما يعذبونه.
وقيل إلى الله، أي لا يعذب أحد في الدنيا عذاب الله للكافر، ويضعف هذا عمل لا يعذب في يومئذ، وهو ظرف مستقبل.
وقرأ ابن سيرين وابن أبي إسحاق وسوّار القاضي وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو بحرية وسلام والكسائي ويعقوب وسهل وخارجة عن أبي عمرو: بفتح الذال والثاء مبنيين للمفعول، فيجوز أن يكون الضمير فيهما مضافاً للمفعول وهو الأظهر، أي لا يعذب أحد مثل عذابه، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال مثل وثاقه، أو لا يحمل أحد عذاب الإنسان لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وعذاب وضع موضع تعذيب.
وفي اقتباس مثل هذا خلاف، وهو أن يعمل ما وضع لغير المصدر، كالعطاء والثواب والعذاب والكلام.
فالبصريون لا يجيزونه ويقيسونه.
وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنهم: {وثاقه} بكسر الواو؛ والجمهور: بفتحها، والمعذب هو الكافر على العموم.
وقيل: هو أمية بن خلف.
وقيل: أبيّ بن خلف.
وقيل: المراد به إبليس؛ وقام الدليل على أنه أشد من الناس عذاباً، ويدفع القول هذا قوله: {يومئذ يتذكر الإنسان}، والضمائر كلها مسوقة له.
ولما ذكر تعالى شيئاً من أحوال من يعذب، ذكر شيئاً من أحوال المؤمن فقال: {يا أيتها النفس}، وهذا النداء الظاهر إنه على لسان ملك.
وقرأ الجمهور: بتاء التأنيث.
وقرأ زيد بن علي: {يا أيها} بغير تاء، ولا أعلم أحدا ذكر أنها تذكر، وإن كان المنادى مؤنثاً، إلا صاحب البديع.
وهذه القراءة شاهدة بذلك، ولذلك وجه من القياس، وذلك أنه لم يثن ولم يجمع في نداء المثنى والمجموع؛ فكذلك لم يؤنث في نداء المؤنث.
{المطمئنة}: الآمنة التي لا يلحقها خوف ولا حزن، أو التي كانت مطمئنة إلى الحق لم يخالطها شك.
قال ابن زيد: يقال لها ذلك عند الموت وخروجها من جسد المؤمن في الدنيا.
وقيل: عند البعث.
وقيل: عند دخول الجنة.
{إلى ربك}: أي إلى موعد ربك.
وقيل: الرب هنا الإنسان دون النفس، أي ادخل في الأجساد، والنفس اسم جنس.
وقيل: هذا النداء هو الآن للمؤمنين.
لما ذكر حال الكفار قال: يا مؤمنون دوموا وجدوا حتى ترجعوا راضين مرضيين، {راضية} بما أوتيته، {مرضية} عند الله.
{فادخلي في عبادي}: أي في جملة عبادي الصالحين.
{وادخلي جنتي} معهم.
وقيل: النفس والروح، والمعنى: فادخلي في أجساد عبادي.
وقرأ الجمهور: {في عبادي} جمعاً؛ وابن عباس وعكرمة والضحاك ومجاهد وأبو جعفر وأبو صالح والكلبي وأبو شيخ الهنائي واليماني: {في عبدي} على الإفراد، والأظهر أنه أريد به اسم الجنس، فمدلوله ومدلول الجمع واحد.
وقيل: هو على حذف خاطب النفس مفردة فقال: {فادخلي في عبدي}: أي في جسد عبدي.
وتعدى {فادخلي} أولاً بفي، وثانياً بغير فاء، وذلك أنه إذا كان المدخول فيه غير ظرف حقيقي تعددت إليه بفي، دخلت في الأمر ودخلت في غمار الناس، ومنه: {فادخلي في عبادي}.
وإذا كان المدخول فيه ظرفاً حقيقياً، تعدت إليه في الغالب بغير وساطة في.
قيل: في عثمان بن عفان.
وقيل: في حمزة.
وقيل: في خبيب بن عدي، رضي الله تعالى عنهم أجمعين. اهـ.